أخبر عن دار القرار ومصير المتقين الأبرار، وأخبر أنها خير من ذلكم المذكور، ألا وهي الجنات العاليات ذات المنازل الأنيقة والغرف العالية، والأشجار المتنوعة المثمرة بأنواع الثمار، والأنهار الجارية على حسب مرادهم والأزواج المطهرة من كل قذر ودنس وعيب ظاهر وباطن، مع الخلود الدائم الذي به تمام النعيم، مع الرضوان من الله الذي هو أكبر نعيم، فقس هذه الدار الجليلة بتلك الدار الحقيرة، ثم اختر لنفسك أحسنهما واعرض على قلبك المفاضلة بينهما
{ والله بصير بالعباد } أي: عالم بما فيهم من الأوصاف الحسنة والأوصاف القبيحة، وما هو اللائق بأحوالهم، يوفق من شاء منهم ويخذل من شاء. فالجنة التي ذكر الله وصفها ونعتها بأكمل نعت وصف أيضا المستحقين لها وهم الذين اتقوه بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه،
1 ـ أهمية هذا النبأ، وذلك من وجهين: الأول : تصديره بـ{ {قُلْ} }، فهو أمر بتبليغه على وجه الخصوص، وهذا يدل على العناية به، وإلا فكل القرآن قد أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقوله للأمة. والثاني : إتيانه بصيغة الاستفهام الدالة على التشويق.
2 ـ عناية الله سبحانه وتعالى بخلقه؛ فإنه لما ذكر ما زُيِّن لهم من الشهوات في الأمور السبعة، أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن ينبئهم بما هو خير من ذلك.
3 ـ جواز المفاضلة بين شيئين بينهما فرق عظيم؛ لقوله: { {بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ} }؛ ومعلوم أن كل ما ذكر من الشهوات السبع لا يساوي شيئاً أبداً بالنسبة لثواب الآخرة. ومن ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: «لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها»
4 ـ أن هذا الخير الذي شوَّق الله العباد إليه ثابت للمتقين؛ لقوله: { {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ْ} } وفي ذلك الحث على تقوى الله،و أن هذا الخير في أكرم جوار، وهو جوار رب العالمين؛ لقوله: { {عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ} }.
5 ـ فضيلة الأزواج في الجنة بكونهن مطهرات حسًّا ومعنى.
6ـ أن تمام نعيم هؤلاء برضوان الله؛ لقوله: { {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ} }، وقد بيّن الله سبحانه في سورة التوبة أن هذا الرضوان أكبر النعيم فقال: {{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}} [التوبة: 72] .
7 ـ إحاطة الله سبحانه وتعالى بالعباد علماً ورؤية؛ لقوله: { {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} }.
8ـ أن كل الخلق عباد لله، المتقي منهم وغير المتقي؛ لقوله: { {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} }، 9 ـ التحذير من مخالفة أمره؛ لأنه متى علم الإنسان أن الله بصير به، فسوف يردع نفسه عن مخالفة ربه؛ لأنه إذا خالف ربه فالله بصير به، وسوف يجازيه بحسب مخالفته.