الجنة التي ذكر الله وصفها ونعتها بأكمل نعت وصف أيضا المستحقين لها وهم الذين اتقوه بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، وكان من دعائهم أن قالوا:
{ ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار } توسلوا بمنة الله عليهم بتوفيقهم للإيمان أن يغفر لهم ذنوبهم ويقيهم شر آثارها وهو عذاب النار، ثم فصل أوصاف التقوى.
{ الصابرين } أنفسهم على ما يحبه الله من طاعته، وعن معصيته، وعلى أقداره المؤلمة،
{ والصادقين } في إيمانهم وأقوالهم وأحوالهم
{ والمنفقين } مما رزقهم الله بأنواع النفقات على المحاويج من الأقارب وغيرهم
{ والمستغفرين بالأسحار } لما بين صفاتهم الحميدة ذكر احتقارهم لأنفسهم وأنهم لا يرون لأنفسهم، حالا ولا مقاما، بل يرون أنفسهم مذنبين مقصرين فيستغفرون ربهم، ويتوقعون أوقات الإجابة وهي السحر، قال الحسن: مدوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا يستغفرون ربهم. فتضمنت هذه الآيات حالة الناس في الدنيا وأنها متاع ينقضي، ثم وصف الجنة وما فيها من النعيم وفاضل بينهما، وفضل الآخرة على الدنيا تنبيها على أنه يجب إيثارها والعمل لها، ووصف أهل الجنة وهم المتقون، ثم فصل خصال التقوى، فبهذه الخصال يزن العبد نفسه، هل هو من أهل الجنة أم لا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من فوائد الآيتين الكريمتين:
1 ـ أن من صفات المتقين إعلانهم الإيمان بالله، واعترافهم بالعبودية؛ لقوله: { {الَّذِينَ يَقُولُونَ} }، والقول هنا يكون باللسان ويكون بالقلب. 2 ـ أن من صفات المتقين عدم الإعجاب بالنفس، وأنهم يرون أنهم مقصرون لطلبهم المغفرة من الله؛ لقولهم: { {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} }.
3 ـ جواز التوسل بالإيمان؛ لقوله: { {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} } فإن الفاء هنا للسببية، تدل على أن ما بعدها مسبب عما قبلها. 4 ـ أنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله المغفرة والوقاية من النار؛ لقوله: { {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} }. وسؤال المغفرة يغني عن سؤال الوقاية من النار، إلا أنه في باب الدعاء ينبغي البسط لأربعة أسباب: السبب الأول: أن يستحضر الإنسان جميع ما يدعو به بأنواعه. السبب الثاني: أن الدعاء مخاطبة لله عزّ وجل، وكلما تبسط الإنسان مع الله في المخاطبة كان ذلك أشوق وأحبّ إليه مما لو دعا على سبيل الاختصار. السبب الثالث: أنه كلما ازداد دعاءً، ازداد قربه إلى الله عزّ وجل. السبب الرابع: أنه كلما ازداد دعاء، كان فيه إظهار لافتقار الإنسان إلى ربِّه؛ ولهذا جاء: «اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقَّه وجلَّه، علانيته وسره، وأوله وآخره» [(59)]، فمقام الدعاء ينبغي فيه البسط. 5 ـ فضيلة هذه الصفات التي أثنى الله عليها، وهي: الصبر، والصدق، والقنوت، والإنفاق، والاستغفار في الأسحار، والحثُّ على الاتصاف بها، وتتضمن ذم الاتصاف بضدها وهي الجزع،والكذب،وقلة الطاعة،والبخل والشح،والاستكبار عن الاستغفار. 6 ـ أن الصبر أفضل هذه الصفات؛ لأن الإنسان إذا حقق الصبر حقق جميع هذه الصفات؛ لأن من أقسام الصبر: الصبر على طاعة الله وعن معصيته.